Espaņol

االمفاوضات حول الصحراء

ملفات خاصة

 


النص الكامل لتدخل السيد شكيب بنموسى خلال افتتاح المفاوضات حول الصحراء بمانهاست .

ألقى السيد شكيب بنموسى وزير الداخلية أول أمس الاثنين كلمة خلال افتتاح الجولة الأولى من المفاوضات التي انعقدت بمانهاست بالولايات المتحدة الأمريكية (18 و19 يونيو الجاري) تحت إشراف الأمم المتحدة , من أجل تسوية نهائية لقضية الصحراء.
وفي ما يلي نص هذه الكلمة: " سعادة المبعوث الشخصي, معشر الحضور الكرام, يطيب لي باسم الوفد المغربي, أن أشيد بروح الأمل المضيء الذي يغمرنا جميعا, ونحن نلتقي اليوم, بتوفيق من الله, وبرعاية الأمم المتحدة, وبفضل إرادتنا المشتركة, بشأن الحكم الذاتي لجهة الصحراء. مجددين صلة الرحم بفئة من إخواننا الصحراويين. فنحن أفراد أسرة واحدة. ومهما افترقت بهم السبل حيناً من الدهر, فإن مآلهم الطبيعي أن يعودوا إلى الحضن الرحيم للوطن-الأم, وفاء للقيم الإسلامية السمحة, واستجابة لمنطق التاريخ, وإيمانا بحتمية المستقبل المشترك.
كما أتوجه إليكم, وإلى معالي السيد بان كي مون, الأمين العام للأمم المتحدة, بخالص تشكرات المملكة المغربية, على الجهود التي بذلت, من أجل تحضير وتنظيم هذا اللقاء, الذي لا تكمن أهميته في انعقاده الرسمي, في حد ذاته, وإنما في اعتبار المغرب إياه منطلقا تأسيسيا للتفاوض الجاد, من أجل إيجاد حل سياسي لمسألة الصحراء, وفق القرار السديد لمجلس الأمن رقم1754 .
وإننا لنعرب عن سرورنا بتوفير هذه الفرصة, التي تتيحها المبادرة المغربية للتفاوض بشأن الحكم الذاتي لجهة الصحراء, للالتقاء بإخوة قرباء, للعمل معهم, بكل إرادة وثقة وعزم, على صنع مستقبل واعد لمنطقتنا. ذلكم أن الشعب المغربي, وخاصة سكان صحرائه, وكذا مجموع الشعوب المغاربية, يعلقون آمالا كبيرة على هذا الاجتماع الهام. فلنكن جميعاً إذن في مستوى تطلعاتهم.
لقد بادر المغرب, مفعما بهذه الإرادة البناءة, وبدون أدنى تردد, إلى الاستجابة لدعوة الأمين العام للأمم المتحدة, مبرهنا بانخراطه في هذا المسعى الحميد, عن حسن نيته وعزمه الراسخ والمتجدد, على التعاون مع الأمم المتحدة, وكذا مع كافة الأطراف, من أجل التوصل إلى حل سياسي توافقي. كما نعبر عن ارتياحنا لحضور البلدين الجارين الشقيقين, الجزائر وموريتانيا.
فللجزائر الشقيقة التي تحتضن طائفة من الصحراويين فوق ترابها, نتوجه إليها مجددين التأكيد بأنها ستجد لدى المغرب الآذان الصاغية, لكل مقترحاتها الوحدوية البناءة, من أجل دعم تسوية نهائية لهذا النزاع, ووضع حد لمشكل إنساني على أراضيها.وإننا لننتظر أن تسخر الجزائر الشقيقة كل إمكاناتها, للإسهام الإيجابي في الجهود المبذولة, لحل هذا النزاع المفتعل.
كما نعول على جنوحها إلى الحكمة والتبصر, وارتقائها إلى مستوى هذه اللحظة التاريخية, لما هو معروف عن الشعب الجزائري الأبي, من اعتزاز بالتحامه بشقيقه الشعب المغربي. وبذلك ندخل التاريخ جميعاً من باب الوحدة ووشائج الأخوة والتعاون وحسن الجوار التي هي مصيرنا الحتمي.
كما نود أن نتقدم أيضاً بعبارات الشكر والتقدير للوفد الموريتاني, لأن موريتانيا الشقيقة كانت تسعى دائماً إلى تقريب المواقف, معتزين بالأواصر الأخوية العريقة التي تربطنا بالشعب الموريتاني, وبعلاقات التعاون والتفاهم والتضامن وحسن الجوار, التي تجمعنا به على الدوام.
سعادة المبعوث الشخصي, معشر الحضور المحترمين, لقد حضرنا لهذا الاجتماع التاريخي, بثقة وعزم وصدق طوية, لنقول : نعم للبحث عن حل سياسي توافقي, باعتباره السبيل الأوحد, لإيجاد تسوية واقعية, ونهائية لهذا النزاع, بعيدا عن المحاولات غير المجدية, لبعث الروح في مقترحات بائدة, واتضح بشهادة مجلس الأمن والأمم المتحدة, وأمنائها العامين المتعاقبين, ومبعوثيهم الشخصيين, أنها لم تكن قابلة للتطبيق, ولا يمكنها أن تفضي إلا إلى عرقلة المفاوضات, ووضعها في مأزق مسدود.
والواقع, أنه برغم الجهود الحميدة والمستمرة المبذولة, فقد استحال على منظمة الأمم المتحدة التوصل إلى حل واقعي. بل لاحظت في العديد من قراراتها, وهذا هو الأدهى والأمر, أن هذه القضية لا تبارح مكانها في النفق المسدود.
فالمنتظم الأممي قد أقر, بكل اقتناع ووضوح, بأن مخطط التسوية لسنة1991 كان غير قابل للتطبيق, وبأن الاتفاق الإطار لسنة2001 ومخطط السلام لسنة2003 , كانا غير عمليين بسبب عدم اتفاق الأطراف بشأنهما.
وأمام هذا الجمود, الذي ينذر بالاستمرار إلى ما لا نهاية, على حساب وحدة واستقرار شعوب المنطقة وتقدمها, واستجابة من المغرب لمختلف النداءات الصادرة عن الأمم المتحدة والعديد من البلدان الشقيقة والصديقة, قرر بكل إقدام, وفي إطار الإجماع الوطني, اقتراح مسار آخر للحل. وذلك بطرحه في أبريل الماضي, لل "مبادرة من أجل التفاوض بشأن حكم ذاتي لجهـة الصحراء". إنه اقتراح للتراضي يعقد عليه المغرب آمالا كبيرة, وبذل من أجله جهودا جبارة.
وقد أقدم بلدنا, بما هو معهود فيه من مسؤولية وتبصر, على تقديم تنازلات وتضحيات جسام في سبيل تحقيقه. في إطار المسار النموذجي الحضاري, للمصالحات التاريخية الجريئة, التي يعتز بإنجازها. تلكم المصالحات التي هي محط تنويه المجموعة الدولية وقواها الديمقراطية, والتي أراد المغرب تتويجها بهذه المبادرة, مجسداً إرادة كل المغاربة في بناء مغرب جديد, ديمقراطي وحداثي.
وتثمينا لهذا المسار, فقد رحب مجلس الأمن في قراره1754 الذي نعتز بوصفه المغرب بالجدية والمصداقية, "بالجهود التي يقوم بها المغرب, من أجل المضي قدماً بالعملية صوب التسوية". وهذا ما يجعلنا أمام حركية جديدة نابعة من المبادرة المغربية. وهو ما حدا بمجلس الأمن أن يطلب من الأطراف الشروع في المفاوضات.

وتأكيداً لهذا التوجه الصائب, فقد عزز المجلس هذا القرار بالدعوة إلى ضرورة أن تأخذ المفاوضات بعين الاعتبار "التطورات الحاصلة على مدار الشهور الأخيرة".لكن ما عسى أن تكون هذه التطورات ؟ إنها بشهادة القوى الفاعلة في المنتظم الدولي ومختلف مكوناته, المبادرة المغربية التي تم طرحها, بعد مسار من الإعداد الجدي, ومشاورات موسعة ومعمقة, محلياً ووطنياً ودولياً, بصفة ديمقراطية, وبتصور شمولي, لا يتوخى الاقتصار على مصالحة كل أبناء الوطن من الصحراء فحسب. وإنما يتجاوزه إلى بلورة منظور استراتيجي للمنطقة بأكملها.
لقد دقت ساعة الحقيقة, معلنة نهاية زمن التردد والمراوغة والتحجر, والمناورات والتأويلات المغرضة. فقرار مجلس الأمن رقم1754 , إذ يشكل قطيعة مع القرارات السابقة. فإنه يعد مرجع الالتزام الوحيد والجديد الذي يدعونا المنتظم الدولي للتفاوض والتوافق لتفعيله بحسن نية.
فقد حدد هذا القرار بوضوح إطار هذه المفاوضات. وجعل من التوافق وسيلتها, ومن التوصل إلى حل سياسي توافقي منصف ونهائي هدفها, بما يكفل تقرير المصير.حل سياسي : بمعنى استبعاد استعمال القوة والتهديد, واللجوء إلى العنف والترهيب, بكل أشكاله.

وهو ما لم يلجأ إليه المغرب قط, حتى في أشد الظروف حرجاً وتأزماً, متحلياً في كل مواقفه بالحكمة والرزانة ورباطة الجأش. إيماناً منه بأن ما قد يشوب علاقات الأخوة من اختلاف, لا يمكن تدبيره بالقوة, متمسكاً في كل الأحوال بالمواثيق الدولية القائمة على التسوية السلمية للنزاعات.
كما أن الحل السياسي, الذي نحن على استعداد للتعاون مع مجلس الأمن, من أجل التوصل إليه, يعني أيضاً تجاوز واستبعاد مقترحات الحلول السابقة, التي أكدت التجربة عدم جدواها بل واستحالة تطبيقها.حل توافقي مؤداه أنه لا مجال للحلول الانفرادية. وهذا ما جعل المغرب يقترح مبادرته أساسا للتفاوض, وليس نهاية له, وأن الاتفاق على الحل سابق لكل خوض في الجزئيات.حل منصف, لا غالب فيه ولا مغلوب, بدلا من وضع يبقي على التوتر. وحل نهائي لا رجعة فيه, يمكننا من الانكباب على المشاكل الحقيقية للأجيال الصاعدة, في الوحدة والديمقراطية والتنمية. حل يكفل تقرير المصير في شكله الحديث ومنطوقه السليم, الذي ينص على صيانة وحدة الدول وسلامة أراضيها من التجزئة والتقسيم. وهو الحكم الذاتي المتفق عليه.
فالمبادرة وما أعقبها من قرار لمجلس الأمن, شكلت تحولا حاسماً, يقوم على الإقرار بالحقيقة التاريخية, والواقعية السياسية, والالتزام بالشرعية الدولية. وفي تصورها للمفاوضات, فإن المملكة المغربية حريصة على التمسك بالجدية والمصداقية التي يشهد بها الجميع. عاملة على أن توفر لها, بحسن نية وانفتاح, كل أسباب النجاح, مبدية كامل استعدادها الإيجابي لإيجاد حل لهذا النزاع الذي طال أمده, مستلهمة روح مبادرتها البناءة.
سعادة المبعوث الشخصي, معشر الحضور المحترمين, إن المبادرة المغربية, ليست مقترحا جامدا أو متحجرا, أو مقدسا غير قابل للنقاش. وإنما هي مبادرة مفتوحة للإغناء والتطوير, والاستكمال في إطار التفاوض التوافقي. لذلك, فإننا نجدد استعدادنا لمناقشتها, باعتبارها تشكل القاعدة الأكثر ملائمة لحل سياسي نهائي.
وتمثل حلا وسطا تاريخيا. حلا إيجابيا يتطابق مع الشرعية الدولية ومبدأ تقرير المصير, كما هو منصوص عليه في قرارات الجمعية العامة, وتزكيه الممارسة الدولية.
وكما ينص على ذلك قرار مجلس الأمن, فإن الاتفاق المتفاوض بشأنه, هو وحده الذي سيبلور تقرير المصير. وفي هذا الإطار, يعتبر الحكم الذاتي, كما هو مطبق في الأنظمة الديمقراطية, والقانون المعاصر, وبفعل الحقوق التاريخية والروابط المقدسة بين المغرب وصحرائه, أداة ملائمة لممارسة هذا الحق, الذي يدعو المغرب إلى تطبيقه, بل إن التطور الديمقراطي للمملكة يجعلها مؤهلة لحسن تفعيله, بطريقة ملائمة, لخصوصيات المغرب والمنطقة, وذلك في إطار سيادة المغرب ووحدته الوطنية والترابية غير القابلة للمساومة. باعتبار الصحراء, قبائل وتراباً, مكوناً أساسياً من مكونات الهوية المغربية الموحدة, التي لم ينفصل فيها المغرب عن صحرائه عبر العصور.إنها أيضا مبادرة تراعي بشكل تام المعايير الدولية.
فالاختصاصات الواسعة التي تمنحها لجهة الصحراء, ستمكن كافة المنحدرين منها وساكنتها من المساهمة في صنع مستقبلهم, في إطار وطن موحد ومتضامن. وهي تنسجم كليا مع المشروع المجتمعي للمغرب الجديد, الذي يقوده جلالة الملك محمد السادس, نصره الله. مغرب الديمقراطية وحقوق الإنسان, والحداثة والتنمية البشرية. مغرب منفتح على محيطه الإقليمي.
فالمقترح المغربي, يضمن لكافة الصحراويين, سواء كانوا داخل جهة الصحراء أو خارجها, مكانة كريمة ومواطنة كاملة. بل ويتيح لهم الفرصة للاضطلاع بدور طلائعي, في مختلف هيئات منطقة الحكم الذاتي, بصفة خاصة, وكافة مؤسسات وأرجاء وأجهزة وطنهم المغرب, بكل حرية. وفضلا عن ذلك, فإن الأمر يتعلق بمبادرة للسلم, وبدعوة للمصالحة الشاملة وتعميق الروابط الأخوية بين العائلات والقبائل ولمّ شملها.
وإن المغرب ليدعو إلى تضافر جهود الجميع, حتى لا يحول المدبرون للنزاع والمستفيدون الحقيقيون منه بين أفراد نفس الأسرة. كما أنها تشكل فرصة ثمينة لوضع حد لمعاناة واغتراب السكان, الذين قاسوا من ويلات التفرقة والحرمان. وفي هذا الصدد, فإن المغرب بهذه المبادرة, يظل فاتحاً ذراعيه لاحتضان كافة أبنائه. كما يؤكد استعداده لإنجاز مصالحة تاريخية بين أبناء الصحراء, مهما كانت مشاربهم. ذلكم أن الحكم الذاتي, المتوافق بشأنه, كفيل بجعل مصيرهم بأيديهم, من خلال إقرار الاتفاق النهائي بشأنه باستفتاء.
سعادة المبعوث الشخصي, معشر الحضور المحترمين, لقد مضت أكثر من ثلاثين سنة, تغيرت خلالها الظروف الإقليمية والدولية. كما تطور المغرب بدوره على كافة المستويات, ووضع العالم حدا للحرب الباردة, التي يعد هذا النزاع من إرثها السيء.
ولذلك, أضحى من الضروري الانفتاح على عالم اليوم, والعمل على رفع التحديات الجديدة, التي تفرضها مستلزمات الديمقراطية وحقوق الإنسان, وصيانة الكرامة الإنسانية, وتقتضيها متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية, والاندماج المغاربي, والاستقرار والتعاون الساحلي والمتوسطي, والحفاظ على السلم والأمن على المستويين الدولي والإقليمي.
والمملكة المغربية, الملتزمة في سياستها الداخلية والخارجية بهذا النهج, لتدرك تمام الإدراك, جسامة هذه التحديات والرهانات. لذلك, فإنها ترفض كل نزوع للانغلاق والزج بالمنطقة في نفق مسدود, ينذر بشتى المخاطر. بل إنها تؤمن بأن عهد الدوغمائيات قد ولى, بعد سقوط جدار برلين, وأن العولمة تجتاح عالمنا بإكراهاتها, التي تنهار أمامها كل الإيديولوجيات, التي أصدر التاريخ حكمه الذي لا يرحم في طوباويتها.
فلنعمل على ألا نخلف الموعد مع عصر التكتلات القوية, ورفع التحديات الديمقراطية والتنموية, والتصدي للمخاطر الإرهابية لعالم ما بعد11 شتنبر 2001 .

بقية الملف

 

إذاعة العيون  FM: 91,1 Mhz    MW: 711 Khz ص.ب. 459  العيون    الهاتف 64/58 33 89 28 212 فاكس 62 33 89 28 212